البحيرة السوداء
البحيرة السوداء
رواية
**
"أستطيع أن أقول إن "أوروخ" منطبع في حياتي مثل طابع بريد، دمغة، خاصة في هذه اللحظة، الآن وقد صبح كل شكل من أشكال التواصل بيننا، كل شكل من أشكال لقاء أحدنا مع الآخر، في عداد الماضي. لا أدري لماذا أرغب في تقديم كشف عن علاقتي ب"أوروخ"، وعن كل ما عناه ومازال يعنيه لي. لعل ما يدفعني إلى هذا الأمر هو اختلافه العصي على التغيير وعلى الفهم، ذلك السر الكامن في الروح والدم، الذي لم تتمخض عنه أي مشكلة في مرحلة الطفولة والشباب، ما يجعله الآن أكثر إيلامًا."
الرواية تبدأ ببطء وربما بقدر من الملل، لكن هذا الهدوء يتحوّل تدريجياً إلى دفء لطيف عن صداقة نشأت قبل أن يبدأ الوعي نفسه. علاقة بين طفل هولندي وصديقه الجاوي، تكبر معهما ثم تتغير دون مأساة أو كارثة، فكنت طوال القراءة أترقب شيئاً سيئاً يحدث لهما، وتذكرت مقولة: "من اعتاد القلق أحسّ الطمأنينة كمين"، عدى أن الرواية سارت في اتجاه آخر تماماً؛ الوحيد الذي يحدث هو أن الحياة تفصل بينهما: الزمن، اختلاف الجنسية، وتحوّل المشاعر الذي يجعل أقرب القلوب غريبة مع مرور السنوات.
السرد رحلة تأملية أكثر من كونه قصة أحداث؛ هي متابعة دقيقة لكيف تبدأ علاقة عميقة بين طفلين وكيف تتبدل تدريجياً حتى يصبح مسماها مختلفاً مع تغيّر القلوب. التعاطف الأكبر لا يذهب للشخصيتين كلٌّ على حده، بل للعلاقة نفسها؛ هذا الرابط الذي يبدو أكبر من أبطاله ثم يذوب بهدوء في الواقع. القوة الأساسية في الرواية هي بناء الشخصيات والوصف الإنساني الهادئ الذي يقدّم الصداقة ككائن حي يتنفس ويتغيّر. ورسم البعد النفسي للشخصيات بسيط وواقعي، ليس عميقاً بالمعنى التحليلي لكنه صادق دون افتعال.
لم أشعر بنقطة تحول حاسمة، الأحداث تمضي بوتيرة ثابتة تقريباً ثم تتسارع في النهاية دون صعود درامي كبير. هذه الوتيرة قد تُحسب على الرواية في بدايتها، لكنها في الوقت نفسه جزء من صدقها: لا شيء كبير يحدث فجأة، وإنما يتحول كل شيء ببطء حتى لا ننتبه. وبعد النهاية، يبقى شعور مفاجئ بالسلام؛ كأن القصة تذكّر القارئ بأن أقوى العلاقات قد تتغير، وأن هذا لا ينقص من جمالها أو حقيقتها في لحظتها.
"سيأتي يوم وتعيش من دون "أوروخ". هذه الصداقة طالت أكثر من اللازم."
في المجمل، البحيرة السوداء رواية لطيفة وهادئة تناسب كل القراء، خصوصاً من يحبون القصص التي تركز على العلاقات الإنسانية بعيداً عن الصراع والمآسي، وتعطي مسافة للتأمل في معنى الصداقة وتحوّلها مع الزمن.
توصية الصديقة أشواق.
**
اقتباسات مبعثرة
"لا أتخيل مقدار الوحدة التي كنت سأشعر بها في طفولتي، لو لم يكن "أوروخ" موجودًا في حياتي."
"كان "أوروخ" صديقي، الإنسان الوحيد الذي عشت معه منذ ولادتي تقريبًا، الذي شاركته كل مرحلة من مراحل حياتي، وكل فكرة، وكل حدث."
"يخيَّل إليَّ أن حواسي عاجزة عن الإحساس بهذا العالم الجبلي، إن لم يكن "أوروخ" موجودًا معي. من دونه، المنظر الطبيعي غير مكتمل."



تعليقات
إرسال تعليق