العيش مع ماضينا

 



 العيش مع ماضينا 

فلسفة من أجل الانطلاق إلى الأمام

المؤلف: شارل بيبان
المترجم: د. مصطفى حجازي
عدد الصفحات: ٢٥٥
الناشر: المركز الثقافي العربي

فلسفة/ علم أعصاب

**

"يستمر ماضينا بلا نهاية في قلب ذاكرتنا، ولكن ليس بشكل جامد: إنه يتطور معنا، ويتشكل في الحاضر تبعاً لتجاربنا الحياتية وللأسلوب الذي نوظف فيه مستقبلنا."

يقدم لنا شارل بيبان هنا رحلة تأملية في الماضي والذكريات باستخدامه الفلسفة وعلم الأعصاب، تجاوزت النظرة التقليدية للماضي كعبء أو حنين، ليقدم مفهوما جديدا يرى الماضي قوة دافعة للحرية والإبداع في الحاضر والمستقبل وجزء أساسي من هويتنا. 

في البداية شعرت بأن لغته الشاعرية في طرح الموضوع غير مناسبة له، إلا أنني اكتشفت لاحقا أن تلك النغمة الهادئة كانت جزءا من الفكرة نفسها: أن الماضي لا يدان ولا يمحى، بل يحتضن ويفهم ويعاش بسلام.

خرجت من الكتاب بأن الرضا والقناعة بما كان هما الطريق إلى التصالح مع الذات، وأن الماضي ليس جدارا يفصلنا عن الحاضر، بل نسيج ممتد يمنحنا ملامحنا الحالية. وإن لم تكن هذه الفكرة جديدة إلا أنها قُدمت بأسلوب تأملي - وإن شابه  التكرار أحيانا - جعل قراءتها سهلة وهادئة.

مزج بيبان بين تجربته الشخصية وتفكيره الفلسفي، واستشهد بأمثلة أدبية وأخرى واقعية، ومن أبرزها رواية بروست ( البحث عن الزمن المفقود) التي تشوقت جدا لقراءتها حتى علمت لاحقا أنها مكونة من سبعة أجزاء ففترت همتي، والتي أوضح من خلالها كيف يمكن لتفصيل بسيط كقطعة حلوى أن يوقظ ماضيا كاملا من سباته. 

"يكفي القليل جداً من الأشياء كي نستعيد الماضي، إلا أن هذا القليل يغير كل شيء."

الكتاب لم يكن حكرا على تخصص معين بل وُجه إلى كل قارئ يحمل ذكرياته في قلبه، لم يغير نظرتي إلى ماضيّ، بل جعلني أقدر ذكرياتي وأفهم أن التعايش مع الماضي لا يعني الغرق فيه، بل النظر إليه بوعي ورضا.

في النهاية، العيش مع ماضينا كتاب هادئ لا يبهر بأفكاره، لكنه يترك أثرا داخليا ناعما يرافق القارئ بعد أن يطوي صفحاته. أنصح به لمن يبحث عن قراءة فلسفية تبتعث على التأمل وتدعو إلى التصالح مع الذات والماضي.

من الصدف الجميلة أن جاء هذا الكتاب من ضمن قراءات نادي متكأ بعد أن اقتنيته في البداية بعد توصية الصديقة العزيزة أشواق.

"إننا ننسى بعض اللحظات من تاريخنا لأننا بصدد كتابته، وفي كل لحظة، ولأننا لسنا بحاجة من أجل ذلك أن نتذكر كل شيء ."

تحذير: توجد بعض العبارات التي فيها تعدي على الله جل جلالة. 


..

 اقتباسات مبعثرة 

"فأحداث الماضي لا تُدرَك وتُسجَّل في ذكريات معينة انطلاقاً من طابعها الموضوعي وإنما نطلاقاً من كيف أدركنا أنفسنا ومكانتنا في العالم وتجاه ذاتنا"

"فالماضي وذكرياته ليس مسطحاً كما يبدو لأول وهلة، وإنما هو جزء من عمق وتعدد دلالات ومستويات النفس البشرية وغناها الجواني"

"إننا نرغب في أن نتحرر من الماضي المؤلم واستعادة الأيام السعيدة، إلا أننا نفشل غالباً في كلتا الحالتين. إذ كلما رغبنا أكثر في النسيان فإننا نمد الذكريات بمزيد من القوة التي تضنينا. وكلما رغبنا أكثر بإحياء أفراح الماضي، تتزايد بالمقابل مرارة الحنين. غريب ذلك الماضي، لذي لا فكاك منه، والذي لا يتوقف عن مطاردة حاضرنا . تماماً كوجوه موتانا الذين يخطرون ببالنا".

"إننا نعرف أننا موجودون لأننا نتذكر. أصبحت قدرتنا على إعادة تذكر أفعالنا وتجاربنا المعاشة، وتوحيد هذه المعرفة في هوية موحدة، وشخصية ذات تاريخ فردي، جوهر المعرفة."

"نحن لسنا أحراراً إلا بمقدار وعينا بالماضي الذي جعلنا ما نحن عليه، وبالتاريخ الذي يوجه مستقبلنا"

"الوعي الذاتي، بالنسبة إلى الكائنات الإنسانية التي هي حن، يقوم على هذه الوقائع الماضية من تاريخنا وعلى الانفعالات والمشاعر التي نربطها بها."

"اعتقدنا سابقاً أننا فشلنا بشكل ذريع، ولكن نرى الآن أننا واجهنا حينها مقاومة الواقع العنيدة وبالتالي عشنا تجربة مليئة بالدروس."

"تستدعي إدراكاتنا ماضينا لأنها تحمل فيها تقريباً على الدوام دمغة الانطباعات الماضية والذكريات المرتبطة فيها"

"إننا لا نودّ النظر إلى الوراء عندما نكون بصدد إعادة إعمار كل شيء."

"كلما بالغنا في البحث عن محو عنصر من ذاكرتنا، فإننا لا نفعل سوى المزيد من التركيز على ذلك وتعزيزه."

"نحتاج أحياناً إلى وقت طويل كي نعي ما ورثناه، وما تلقيناه خلال طفولتنا، وشبابنا ، مما نُقِلَ إلينا بشكل علني من قبل والدينا أو جدادنا، أو على الأغلب مما تمثلناه مما قدموه لنا من مثال، وما استوحيناه من طريقتهم في التصرف وتصور حياتهم."

"يتطلب منا العيش مع ماضينا أحياناً أن نتباعد عنه، وأن نقارب آفاقاً جديدة كي نوجد خارج نطاق نظرة الآخرين التي نختزلنا أحياناً في تاريخنا، وفي أسلافنا ... وللمفارقة، فالدرب لذي نسير عليه هو على الأغلب الأقصر لاستعادة هذا الماضي."

"لا يعني أخذ كل ما ورثناه في الحسبان أنه يتعين علينا قبوله تلقائياً وجعل تاريخنا يُعَرّفُنا"

"الانتباه المتكرر والمتفكر حول أحداث ماضينا يؤدي إلى التعود عليها والتعايش معها بشكل أفضل."


تعليقات

المشاركات الشائعة