صلاة القلق
صلاة القلق
رواية
**
لا أعرف كيف أكتب هذه المراجعة بدون حرق للنهاية. بديعة هي بلغتها وطريقة كتابتها.
"ثمّة فجوةٌ شاسعةٌ بين ما يختمر في العقول وما ينطقه اللسان، اتّفقت الأغلبيّة على كَبح خواطرها والنطق فحسب بما هو مسموح، لم يُملِ عليهم أحدٌ ما هو ذلك المسموح، لكنّهم عرفُوه بفطرتهم، فدأبوا على السكوت"
رواية صلاة القلق تجربة سردية تشعر بثقلها مع استمرارك بالقراءة. هي رواية سياسية رمزية في المقام الأول بُنيت بلغة أدبية عذبة وقوية منحت النص بُعداً تأملياً حالماً رغم فظاعة المحتوى، وكانت أكثر عناصر الرواية تأثيرا بالنسبة لي.
عندما يصمت الناس في وقت وجب عليهم فيه الحديث والبحث عن الحقيقة. عن تغييب الشعوب إعلامياً وحجب الحقيقة عنهم بشتى الطرق.
"الناس كأنّهم يبيتُون في توابيت مغلقة، يصبحون ليفعلَ كلُّ منهم ما أُمليَ عليه قبل أن يسارع بالعودة إلى تابوته عقبَ المغيب!"
تعدَّد هنا الرواة براوٍ واحد ليرينا أن الحقيقة لا تأتي من فم واحد بل من تجميعها من أفواه متعددة في محاولة لفهم هذه الحقيقة من زوايا مختلفة في زمن القمع والتزييف. تعمد فيها طمس الحدود بين ماهو حقيقي وما هو مُتخيّل. ومدى جرأة السلطة على تزوير الوعي، لا عبر الإعلام فقط، بل عبر خلق حقيقةٍ موازية يعيش الناس داخلها.
تدور أحداث الرواية في نجع المناسي، حيث حوصروا بالخوف وخنقتهم الأوهام الوطنية والحرب والخلاص، بشخصياتها التي سكنها القلق والسوداوية. جمعت بين عناصر متفرقة من السياسة، والنفس، والتاريخ، واللغة ضمن سرد واحد شديد الحساسية.
رواية تُفهم على أنها شيء في البداية وما تفتأ أن تتحول لشيء آخر عند الانتهاء. رواية فكرتها العامة ليست جديدة لكنها كُتبت بطريقة جديدة.
"الأوراق والأقلام هي صلتي الوحيدة بالعالم، فإن انقطعت هذه الصلة سقطتُ في عوالمي البديلة."
ملاحظة: ما حبيت التعدي على النبي يوسف عليه السلام في الرواية.
ليست للجميع
.
.
.
اقتباسات مبعثرة
"لقد تجسّدَ القلقُ كوحشٍ يطوفُ بنعومةٍ فوقَ أسطح دور النجع، كأنّه خرجَ من الحَجَر المضيء الذي سقط من فوهة العدم ليغيّر مجرى الحياة."
"كان أغلب الناس كأنّما يراقب بعضُهم بعضًا، وأنا كمَن ضاعَ في وطنه أكمّمُ خواطري وأمضي متّشحًا بالصمت. كلمةٌ واحدةٌ ظلّت تفصل كلّ امرء عن السقوط في شرك معاداة الوطن. سئِمتُ المشيَ على الحبل المشدود بين السذاجة والخيانة، والتزمت الحيادَ.
حتّى وقعتِ المصيبة"
"الآن أستعيد من صفحات الزمن ما لا يمكن نسيانُه،"
"عيونُهم التي حُرّمت عليها الدهشة تبحث عن وليّ كالعبد إذ يبحث عن سطوة السيّد. فكم من فاجعةٍ حلّت بهذا النجع وهم كالسائرين نيامًا؟"
"أتساءل: كم نيزكًا يستلزم الأمر حتّى تتكوّن لدينا ذاكرةٌ جديدة؟ كم قتيلًا ينبغي أن يسقط، وكم حربًا يتوجّب أن تأكل أبناءنا حتّى تروي العجائز تاريخًا مغايرًا لما يروينه اليوم؟"
"احتلّت العقلَ مساحةُ فراغٍ يشوبها الهمُّ وترتع في ردهاتها الوساوس، فقدتُ الشهيّة إلى حياةٍ أتوجّس قوادِمَها، وسكنتْني رغبةٌ متأجّجةٌ في عدم التواصل مع الجنس البشريّ برمّته."
"كنت أشتاق إلى العيش إنسانًا عاديًّا، بدلًا من العيش كآلة جرّ ملتحمةٍ بقطارٍ قديم."
"ثمّة دورٌ أغلقت إلى الأبد، ذكرياتٌ وحكاياتٌ وسيَرٌ تسلّلت من مسام الجدران وتسرّبت من الحقائب والجِوالات واستقرّت في ذاكرة العجائز عن أولئك الذين رحلوا."
"رائحة الموت واحدة، نافذةٌ لا تفرّق بين سائر الكائنات!"
"طواكَ الوباء يا زمن الحكايا."
"أضحت الذاكرة مهترئةً ملآنةً بالثقوب. عقلي جرابُ حاوِ فقيرِ سقطتْ منه أغلب الحيل فانفضّ من حوله الأطفال."
"الكلّ يبحث عن مساحة أمانٍ لا يشاركه فيها أحد"
"كأنّ كلّ امرأةٍ لا تقدر على العيش من دون مُسبّباتٍ للهمّ والقلق..."
"الوحدة هي الخوف الأعظم في نجع موبوءٍ يراقب خطواتي ويُحصي أنفاسي."
"هم يتوقون فحسْب إلى الشعور بأنّ الرحيل متاحٌ والسفر مباح. فسيرة الجدود حاضرةٌ في الخلايا، تُحيي رغبات الارتحال على الرغم من الرضاء الظاهر بوطنٍ لا يرتجّ فوق ظهور الجمال."
"الروائح لا تفنى ولا تموت، وما أيسرَ تتبّعَها، خصوصًا حين يُغرق العرق عيونًا زالت حواجبها،"
."أضحى ابتعاد الناس عضهم عن بعضٍ يولِّد شيئًا من الراحة المرجوّة."
"الحرّيّة هي المصل، بيد أنّ الحرّيّة لا تفيض من أنفاس المذعورين.
والأكوان لا تُخلَق تحت الحصار، والأحلام لا تراود المأسورين داخل الصناديق المعتمة."
"لستُ مستعدًّا للموت، لا أحد متأهّبٌ للقيا ذلك الغامض المجهول وإن ادَّعى العكس."
"تقوّض في داخلي الأملُ في مواصلة الحياة التي عرفتها، أردتُ إعادةَ تشكيل العالم بما يناسبنى بعدمَا فقدتُ أسباب الاستمرار."
"لا شيء غير الحرب يقدر على أن يجعل الغياب أمرًا عاديًّا طالما ظلّتْ طبولها تدقّ."
تعليقات
إرسال تعليق